الاثنين، 29 يوليو 2013

التجارة الرابحة




التجارة الرابحة

 ذهب من هذا الشهر أكثره، وبقي فيه أجَلّه , لقد بقي فيه العشر الأواخر من رمضان التي هي ثمرته،  ولقد كان صلى الله عليه وسلم  يعظّم هذه العشر، ويجتهد فيها اجتهادًا عظيما وهو المغفور له ذنبه , فما أحرانا نحن المذنبين المفرّطين أن نقتدي به  فنعرف لهذه الأيام فضلها، ونجتهد فيها؛ لعل الله أن يدركنا برحمته، ويسعفنا بنفحة من نفحاته، تكون سببًا لسعادتنا في عاجل أمرنا وآجله.

روى الإمام مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله  يجتهد  في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره".  والاحاديث كثيرة الدالة  على عظمتها وخيرها وفضلها .

 دلت هذه الأحاديث على فضيلة العشر الأواخر من رمضان، وشدة حرص النبي على اغتنامها والاجتهاد فيها بأنواع القربات والطاعات , فينبغي للمسلم أن يفرغ نفسه في هذه الأيام، ويخفِّف من الاشتغال بالدنيا، ويجتهد فيها بأنواع العبادة من صلاة وقراءة، وذكر وصدقة، وصلة للرحم وإحسان إلى الناس, وكذلك ينبغي أن تحرص على إيقاظ أهلك وترغيب الناس من حولك ونشر الخير وتذكير الغافلين ، وحثهم على اغتنام هذه الليالي المباركة، ومشاركة المسلمين في تعظيمها والاجتهاد فيها بأنواع الطاعة والعبادة  , ولنا في رسول الله  أسوة حسنة، فقد كان إذا دخل العشر شدَّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله.

ومن يسافر إلى بلد آخر لقضاء حاجة أو تحقيق مصلحة، فإن كان جادًّا في سفره، تاركًا للنوم والكسل، متحملاً لمشاق السفر، فإنه يصل إلى غايته، ويحمد عاقبة سفره وتعبه، وعند الصباح يحمد القوم , فإن لمن الحرمان العظيم والخسارة الفادحة، أن نجد كثيرًا من المسلمين، تمر بهم هذه الليالي المباركة، وهم عنها في غفلة معرضون، فيمضون هذه الأوقات الثمينة فيما لا ينفعهم، فيسهرون الليل كله أو معظمه في لهو ولعب، وفيما لا فائدة فيه، أو فيه فائدة محدودة يمكن تحصيلها في وقت آخر،, وتجد بعضهم إذا جاء وقت القيام، انطرح على فراشه، وغطّ في نوم عميق، وفوّت على نفسه خيرًا كثيرًا، لعله لا يدركه في عام آخر, وإن الجنة حُفّت بالمكاره، وإنها غالية نفيسة، لا تُنال بالنوم والكسل، والإخلاد إلى الأرض، واتباع هوى النفس؛  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الجَنَّةُ» رواه الترمذي وقال حسن وصححه  الالباني

ومن خصائص هذه العشر أن فيها ليلة القدر، التي قال الله عنها: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 3-5]. وقال فيها: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 3، 4]. أي يفصل من اللوح المحفوظ إلى الملائكة الكاتبين كل ما هو كائن في تلك السنة من الأرزاق والآجال والخير والشر، وغير ذلك من أوامر الله المحكمة العادلة.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مَنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا كل محروم»  رَوَاهُ ابْن مَاجَه وحسنه الالباني والمعنى أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر سواها.

وقد حسب بعض العلماء "ألف شهر" فوجدوها ثلاثًا وثمانين سنة وأربعة أشهر، فمن وُفّق لقيام هذه الليلة وأحياها بأنواع العبادة، فكأنه يظل يفعل ذلك أكثر من ثمانين سنة، فيا له من عطاء جزيل! وأجر وافر جليل، من حُرمه فقد حُرم الخير كله, فهنيئا  لمن ربح البيعة  فيومئذ يفرح المؤمن.

فإنها أيام معدودة، ما أسرع أن تنقضي، وتُطوى صحائفها، ويُختم على عملك فيها، وأنت لا تدري هل تدرك هذه العشر مرة أخرى، أم يحول بينك وبينها الموت بل لا تدري هل تكمل هذه العشر، وتُوفَّق لإتمام هذا الشهر! فالله الله بالاجتهاد فيها والحرص على اغتنام أيامها وليالها ,فاللهم اعنا على قيامها والعمل الصالح فيها  .
 
 

 

سمير ابو تيلخ ,  20 رمضان  1434,  المصادف 29/07/2013  م

الجمعة، 26 يوليو 2013

موتوا بغيظكم



 
 
شتان بين النقد المبني على البرهان الواضح المبين  وبين الاتهام الغير مبرر ومجرد شكوك ووهوم وظنون وهمية  او حقد دفين  ، فالبينة على من ادعى واليمين على من انكر كما جاء بالحديث الصحيح ،فعلى كل مسلم عامل للخير مبتغيا  رضا الله ان لا يكترث لما يقال عنه من اللمز الافتراء والبهتان من افواه الحاقدين او الجاهلين  , ولا يحزنه قول الذين يلمزون المطوعين بالصدقات ويتهمونهم بأبشع التهم  والاشاعات لنيل مطلب دنيوي رخيص زائل ،كقول البعض ان  جباة  الزكاة اكلوا وسرقوا اموال الزكاة وركبوا افخر السيارات من وراء الزكاة ، فلا تخرج هذه التهم الا من افواه الحاقدين او الجاهلين  بالأمر او المنفاقين او الذين في قلوبهم مرض الشك .

وصف  الله  تعالى هذه الشرذمة فقال  ((الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ - سورة التوبة))  قَوْلُهُ تَعَالَى الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ))  يلمزون أي يعيبون , ( المطوعين ) وهم الذين يفعلون الشيء تبرعا من غير أن يجب عليهم , ومعنى سخر الله : مجازاتهم على سخريتهم , وقال القرطبي في تفسيره ان هذه من صفات المنافقين , وقال : وذلك أن عبد الرحمن بن عوف  تصدق بنصف ماله ، وكان ماله ثمانية آلاف فتصدق منها بأربعة آلاف . فقال قوم : ما أعظم رياءه  ( انه يفعل ذلك رياء) ; فأنزل الله : الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات  واخرج مسلم في صحيحه  عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: «أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ» قَالَ: كُنَّا نُحَامِلُ ، قَالَ فَتَصَدَّقَ أَبُو عَقِيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ، قَالَ: وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْهُ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا، وَمَا فَعَلَ هَذَا الْآخَرُ إِلَّا رِيَاءً، فَنَزَلَتْ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ}.

وليعلم الجاهل ان عدم معرفته بالشيء لا يدل على عدمه , وان الحاقد الذي اصيب بمرض  الحقد فشأنه شان المنافقين يظهرون للمؤمنين الإيمان والمودة  ويبطنون الحقد والكراهية  كما قال تعالى : ( وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ  ) وذلك أشد الغيظ والحنق ، وقال الله تعالى : ( قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور  ) أي : مهما كنتم تحسدون عليه المؤمنين ويغيظكم ذلك منهم ، فاعلموا أن الله متم نعمته على عباده المؤمنين ، ومكمل دينه ، ومعل كلمته ، ومظهر دينه ، فموتوا أنتم بغيظكم هو عليم بما تنطوي عليه ضمائركم  وتكنه سرائركم من البغضاء والحسد والغل للمؤمنين ، وهو مجازيكم عليه في الدنيا بأن يريكم خلاف ما تؤملون ، وفي الآخرة بالعذاب الشديد في النار التي أنتم خالدون فيها ، فلا خروج لكم منها .

إن المسلم  المتطوع للخير إمامه  نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو سيد الخلق وامام المتقين , فقد قيل عنه مجنون وشاعر وكاهن وقيل عن من قبله من الانبياء عليهم افضل الصلوات  سحرة ومفسدين  ويبدلون دين الله  وطلاب سلطة دنيوية  وتأمل قول قوم فرعون (وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض))  فاتهموا موسى انه يفرق شملهم وانه مفسد بالأرض , ولكن هم المفسدون ولكن لا يعلمون , وحاولوا الصد عن سبيل الله بكافة الطرق اعلاميا ونعتوا عيسى ابن مريم عليه السلام بأفظع النعوت  وكذلك نشر الاشاعات واغراء العامة  بالمال ,الا ان هذا الافتراء لم يجعل الرسل ومن سار على نهجهم ان يكفوا ايدهم عن تبليغ رسالات الله وخدمة دينهم  ، فلم يعطوا هذه الافتراءات أهمية  ووزن ,حتى لا  تشغلهم عن الهدف والمقصد  الاسمى وهو نشر وخدمة دين الله ، والله يتولى عبده وهو كافيه , والله تكفل بحفظ عباده وهو مولاهم ونعم النصير ((ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا  )) ومن عادى دين الله  وفاعل الخير  فقد سبقه من هو اكثر منه  قوة ومالا واعز نفرا , ولا يفلح المبطلون من حيث اتوا ,واقول لهم ((وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ  ( 121 ) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ 122  هود ))  وليتذكر محب الخير قول الله تعالى (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ )), وقد جاء عن النبي: "العامل على الصدقة بالحق كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته" رواه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة  وصححه الالباني.

واما العاملين على جباية الزكاة فعليهم مراعاة شروط العامل: أن يكون مسلمًا كافيًا لعمله، عالمًا به، أمينًا فيه , وليفرقوا بين الزكاة والصدقة ,فللزكاة لها مصاريفها وكيفية توزيعها  واما الصدقة لا نصيب لهم بها لأنها تطوع ولا حق لهم بها , وليجعلوا هذا الحديث نصب اعينهم , قال رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا، فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه مسلم .


  

الأربعاء، 24 يوليو 2013

المؤمنون حقا





المؤمنون حقا

ان الانسان بطبعه يسعى نحو الافضل والكمال  والدرجات العالية  وكذلك المؤمن , وقد ذكر الله تعالى في سورة الانفال خمس صفات للمؤمنين حقا وأثنى عليهم ووعد لهم مغفرة ورزق كريم فقال عنهم  ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ  ( 2 ) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ  ( 3 ) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ  ( 4 ) ) الانفال  ذكر  الله تعالى للمؤمنينحقا ( والايمان قولا وعملا وذكرا)  خمس صفات وحصرها بأداة الحصر انما, واما الصفات هي:
1-  الصفة الاولى – ( إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ_") والوجل : الفزع من عذاب, وهذا يرجع إلى كمال المعرفة وثقة القلب . ونظير هذه الآية " وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم""  . وقال :"" وتطمئن قلوبهم بذكر الله"" . وقد جمع الله بين المعنيين في قوله" اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ "( 23 الزمر) أي تسكن نفوسهم من حيث اليقين إلى الله وإنهم يخافون الله, وروى سفيان  عن  السدي  في قوله جل وعز : الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم قال : إذا أراد أن يظلم مظلمة قيل له : اتق الله ، كف ووجل قلبه , وذلك لقوة إيمانهم ومراعاتهم لربهم.
وأما  الطرف المقابل  الذين اذا ذكر الله عندهم اشمأزت قلوبهم وعتت وزادتهم نفورا ،قال تعالى "وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُون "  فاذا ذكر الله عند الكافر اشمأز قلبه وانقبض ونفر واستكبر  وكفر ونفر  وأنكر وذعر , وكان المشركون إذا قيل لهم " لا إله إلا الله " نفروا وكفروا . وإذا ذكر الذين من دونه يعني الأوثان والكفريات , إذا هم يستبشرون فرحون سعداء  ويظهر ذلك  في وجوههم البشر والسرور ,يكرهون الحق ويفرحون للباطل . وكذلك ابغض الناس الى الله , "وإن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل: اتق الله، فيقول: عليك نفسك ". صححه الالباني 2939
2-  الصفة الثانية :  قَوْلُهُ : ( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا  ) كَقَوْلِهِ : ( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ )[ التَّوْبَةِ : 124 ] والمراد بآيات الله القران الكريم , فإن القران يهدي لأقوم الطرق ((( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ )الاسراء 9)) والقران فيه السعادة والفوز في الدارين ولا شقاء مع القران ((مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى  - 2 طه ) ومن اعتصم به خرج من الظلمات الى النور ,وفرَّق بين الباطل والحق ولا يلتبس عليه  الباطل بلباس الحق, وكان المسلمون  إذا سمعوا القرآن قالوا : قد ازددنا إيمانا ، كقول  معاذ بن جبل  للأسود بن هلال   : اجلس بنا نؤمن ساعة ، يعني بمذاكرة القرآن وأمور الدين , فقراءة القران من المفروض  ان تملأ القلب نور الايمان , وزيادة الايمان تقتضي زيادة العمل, لان العمل من لوازم الايمان ,بخلاف  صفات المنافق التي  اذا تليت عليه آيات الله زادته نفورا وبعدا.
3-  الصفة الثالثة (( وعلى ربهم يتوكلون  ) متوكلون على ربهم, ومن خصال الايمان التوكل لقول الله تعالى في سورة التغابن " اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( 13 ) , ولهذا قال سعيد بن جبير   : التوكل على الله جماع الايمان  والتوكل هو :لا يرجون سواه ، ولا يقصدون إلا إياه ،ولا يلوذون إلا بجنابه ، ولا يطلبون الحوائج إلا منه ، ولا يرغبون إلا إليه ، ويعلمون أنه ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأنه المتصرف في الملك وحده لا شريك له ، ولا معقب لحكمه ، وهو سريع الحساب ؛ جماع الإيمان   ,وهذا لا ينافي الأخذ بالأسباب بل من لوازم التوكل الاخذ بالأسباب ,لقول الله تعالى ( فامشوا في مناكبها ) وقوله ((

وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا 

 )).
وهنا لفتة مهمة فبعد ان ذكر الصفات القلبية اعقبها ونبه على الأعمال ,فالعمل مصدق للمعتقد.
4-  واما الصفة الرابعة ( الذين يقيمون الصلاة )) واقامة الصلاة فرض كل مسلم مكلف ،  وإقامة الصلاة هي  المحافظة على مواقيتها ووضوئها ، وركوعها ، وتمام ركوعها وسجودها ، وتلاوة القرآن فيها ، والتشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا إقامتها ,اقامة بكل هيهاتها.
و في سورة المعارج ( الذين هم على صلاتهم دائمون  ) المراد بالدوام الذين إذا عملوا عملا داوموا عليه وأثبتوه ,وقوله ( وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ  ) وقوله : ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون  ) [ المؤمنون : 1 ، 2 ]  وكما جاء في الصحيح عن عائشة ،  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل  " . وفي لفظ : " ما داوم عليه صاحبه " ، وقالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملا داوم عليه .
5-  والصفة الخامسة  وهي (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ))فينفقون مما رزقهم الله ليلا ونهارا سرا وعلانية لقول الله تعالى " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " والأمة التي يكفل القوي فيها  الضعيف، وغنيها يكفل  فقيرها  ، ويقوم فيها القادرون بالمصالح العامة ، وفي الآية  بيان عموم الأوقات مع عموم الأحوال من الإظهار والإخفاء ، وفي تقديم الليل على النهار والسر على العلانية ايذان بتفضيل صدقة السر ، ولكن الجمع بين السر والعلانية يقتضي أن لكل منهما موضعا بحسب الحال وتفضله المصلحة لا يحل غيره محله , وهؤلاء الذين ينفقون أموالهم في كل وقت وكل حال لا يقبضون أيديهم مهما لاح لهم طريق للإنفاق هم الذين بلغوا نهاية الكمال في الجود والسخاء وطلب مرضاة الله ولهم اجرهم ولا خوف عليهم على الماضي ولا خوف عليهم حين يخاف البخلاء يوم الحساب العسير , ولا حزن على المستقبل من فقر  – والأنفاق يكون من مال او علم او وقت او مساعدة فالأنفاق لفظ  واسع , والكل ينفق مما اتاه الله فلا يكلف الله نفسا الا بما اتاها.
واما من  اتصف بهذه الاوصاف أولئك هم المؤمنون حقا أي الذي استوى فيهم الإيمان ظاهرهم  وباطنهم (( أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ))  ولهم: ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون  ) أي : فلا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله لهم في الجنات من النعيم المقيم ، واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد فإن الجزاء من جنس العمل .وعن  أبي هريرة  ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  " قال الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " . قال أبو هريرة : فاقرءوا إن شئتم : ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين  ) متفق عليه, وروى مسلم  ان رسول الله صلى الله عليه قال : " سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ، مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ  ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ، وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ ، فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، قَالَ: رَبِّ، فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ "، قَالَ: وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: " {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17].   وكذلك لهم  من نعيم الدنيا بطمأنينة القلب والحياة الطيبة والسكون والهدوء ,ومن اتصف بهذه الصفات هم المؤمنون حق الإيمان ولهم نعيم الدارين .

                                                                                  سمير ابو تيلخ 24-7-2013 

  

الأحد، 21 يوليو 2013

العقيدة الغائبة




العقيدة  الغائبة

يظن البعض من المسلمين أنه مادام قائما لأركان الإسلام ومحافظا على الصلوات الخمس في جماعة ومؤديا زكاة ماله للفقراء والمساكين  وصائم لرمضان ووصولا للرحم ونحو ذلك من الواجبات الشرعية المطلوبة  تجعله من اهل الجنة,  وانه  في حل من نصرة أخيه المسلم في أي مكان , فان هذا الفكر يسيطر اليوم على البعض  حتى وجدنا سلبية تامة, وليس ذلك فحسب بل هناك درجة أعلى في السلبية وهي عدم الاكتراث والاهتمام بأمور المسلمين , بل الاصعب من ذلك تجده يحرض على اخيه المسلم بحجج واهية او يثبط  الناصرين لقضيتهم  ومن سكت عن معصية ومنكر وظلم فهو شريك من حيث لا يدري..

ونصرة المسلم لأخيه المسلم واجب شرعي ومطلب ديني , ويحرم خذلان المسلم وترك نصرته  , فان النصوص الدالة على  واجب نصرة المسلم  للمسلم  تكاثرت ,  فتأمل معي قول الله تعالى :{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم))  ذكر الله صفات المؤمنين المحمودة  والمطلوبة ، فقال : ( بعضهم أولياء بعض  ) أي : يتناصرون ويتعاضدون .

ورحم الله الشهيد سيد قطب حين قال في ظلال هذه الاية  :كان المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض. إذا كانوا جبلة واحدة وطبيعة واحدة.. فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض. أن المنافقين والمنافقات مع وحدة طبيعتهم لا يبلغون أن يكونوا أولياء بعضهم لبعض. فالولاية تحتاج إلى شجاعة وإلى نجدة وإلى تعاون وإلى تكاليف. وطبيعة النفاق تأبى هذا كله ولو كان بين المنافقين أنفسهم. إن المنافقين أفراد ضعاف مهازيل، وليسوا جماعة متماسكة قوية متضامنة، على ما يبدو بينهم من تشابه في الطبيعة والخلق والسلوك. والتعبير القرآني الدقيق لا يغفل هذا المعنى في وصف هؤلاء وهؤلاء, ((الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ)) ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ» إن طبيعة المؤمن هي طبيعة الأمة المؤمنة. طبيعة الوحدة وطبيعة التكافل، وطبيعة التضامن، ولكنه التضامن في تحقيق الخير ودفع الشر.

وكما جاء في الصحيح : المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه وفي الصحيح أيضا : مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم ، كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.

وكما جاء الترغيب في الوقوف مع المؤمن جاء النهي ، والتنصل عن نصرته وموالاته .. ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خذلان المسلم , فأوجب حق النصرة عليه قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . مُتَّفق عَلَيْهِ

 فَقَالَ الْعُلَمَاءُ الْخَذْلُ تَرْكُ الْإِعَانَةِ وَالنَّصْرِ وَمَعْنَاهُ إِذَا اسْتَعَانَ بِهِ فِي دَفْعِ ظَالِمٍ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ إِعَانَتَهُ إِذَا أَمْكَنَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ) النووي شرح مسلم

عدم نصرة المسلم وخذلانه  بموطن يحب فيه النصرة ومحتاجه سبب خذلان الله له يوم القيامة  فان الجزاء من جنس العمل فقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته".) صحيح الجامع (5690

واحب الناس الى الله انفعهم للناس,  وان تمشي في حاجة اخيك احب من الاعتكاف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم , والصلاة في مسجد النبي  بألف صلاة ,  روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا جاء إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فقال يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله فقال أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله  عز وجل  سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهرا ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام"  حسنه الالباني

فانصر اخاك  فان الله في عون العبد ما دام العبد في عون اخيه , وان المؤمنين بعضهم اولياء بعض ناصرين لبعض يد واحدة, وان الله مع الجماعة وناصرهم  ومعهم ما داموا معتصمين بحبل الله وقلوبهم على قلب رجل واحد , لا يسمعون لمن سكن قلبه الوهن الرضوخ والسكوت للظلم.

كتبه العبد الفقير سمير ابو تيلخ 21/07/2013
 
 

موالاة الكفر

نهى الله ، تبارك وتعالى ، عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين ، وأن يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين ، ثم توعد على ذلك فقال : ( ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء أي : من يرتكب نهي الله في هذا فقد برئ من الله كما قال : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ) [ النساء : 144 ] وقال [ تعالى ] ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم [ إن الله لا يهدي القوم الظالمين ] ) [ المائدة : 51 ] . 

الخميس، 18 يوليو 2013

الاسراف في رمضان

 
إن  المتأمل لحال الناس في رمضان، يجد أن كثيرا منهم يخالفون  التوجيه الإلهي والإرشاد النبوي بعدم الاسراف ، فترى أن الإسراف يظهر في صور متنوعة، وحالات متعددة، حين تقدم على موائد الإفطار عشرات الأصناف من الأشربة والأطعمة والحلوى والفاكهة، حتى أصبح الإكثار من هذا عادة عند كثير من الناس، بل إن هناك أطعمة لا تعمل إلا في رمضان، حيث أصبحت لها عند الناس خصوصية في هذا الشهر المبارك، تعرف بمأكولات أو مشتريات رمضان.
وأغلب هذه الأصناف حين تقدم، لا يستهلك منها إلا الشيء اليسير، ويكون مصير الباقي إلى الإتلاف والرمي في صناديق النفايات،  وقيل : من الإسراف الأكل بعد الشبع ، وقال لقمان لابنه : يا بني لا تأكل شبعا فوق شبع ، فإنك أن تنبذه للكلب خير من أن تأكله .  وفي مجتمعنا من يفطر على شربة ماء ولا يجد ما يسد به رمقه , فالأجدر ان تنفق في الصدقات وموائد الطعام للفقراء  وإطعامهم  والتصدق بها للمحتاجين بدل رميها في الحاويات .

إضافة  إلى أن هذا الاسراف مذموم ومنهي عنه لقول الله ((وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ( 31 الاعراف))  ، وروى النسائي   وابن ماجه  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كلوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة"  حسنه الالباني .
  وقال  البخاري رحمه الله  : قال ابن عباس رضي الله عنه  : كل ما شئت ، والبس ما شئت ، ما أخطأتك خصلتان : سرف ومخيلة  ,وقال ابن عباس رضي الله عنه  ايضا : أحل الله الأكل والشرب ، ما لم يكن سرفا أو مخيلة  "
وقد اختلف في الزائد على قدر الحاجة على قولين : فقيل حرام ، وقيل مكروه . قال ابن العربي وهو الصحيح 

فإن  الاسراف له جوانب سلبية أخرى عديدة، منها أن هذه الأصناف التي قدمت على مائدة الإفطار، كلفت الكثير من المال، وأثقلت كاهل صاحب المنزل عند شرائها، فكانت سببا في زيادة مصاريفه النقدية في شهر رمضان عنها في بقية الشهور الأخرى، حتى إنها تصل عند بعض الأسر إلى أضعاف المصروف العادي ,وتصل احيانا الى اثقال كاهل العائلة بالديون الزائدة عن الحاجة .
ويضاف إلى ذلك، الأوقات التي أُهدرت في إعداد الأطعمة والأشربة، وتهيئتها، فكم من الساعات مكثت النساء والفتيات في المطابخ وهن يعملن في تجهيز طعام الإفطار، كم من أوقات ثمينة ضاعت عليهن، وكان الأجدر والأولى أن تستغل في الطاعة والعبادة ، لأن أوقات رمضان أزمنة ذهبية، لاينبغي أن تفوَّت بسهولة، بل يجب الحرص على اغتنامها واستغلالها بذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن، ومطالعة كتب يستفيد منه القارئ والكثير من الطاعات .
إن أوقات رمضان ينبغي أن تشغل في العبادة، وأن تظهر في حياة المسلم اليومية خصوصية هذا الشهر، فلا يكون حاله في شهر الصيام، كحاله في باقي الأيام، لا يميز بين مواسم العبادة، ولا يحس بالأوقات الفاضلة، بل يستشعر روحانية هذا الشهر بأسمى معانيها، وأعظم مدلولاتها، قال جابر رضي الله عنه: "ولا يكن يوم صومك ويوم فطرك سواء".

الثلاثاء، 16 يوليو 2013

الغرباء

 بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا ، وسيكون غريبا على اهله وعلى العالم من حوله ، واما ما جاء في صفات الغرباء:    
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَا غَرِيبًا , وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَا , فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» قِيلَ: وَمَنِ الْغُرَبَاءُ , يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ»  رواه احمد والطبراني وصححه الالباني

وقال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ (1) ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ "، قِيلَ: وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ:   النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِل " رواه احمد وابو يعلى الموصلي  والدارمي وابن ماجة والبغوي وصححه شعيب والبغوي  وقال حسين سليم أسد : إسناده صحيح
 
وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ: «طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» قِيلَ: وَمَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَاسٌ صَالِحُونَ قَلِيلٌ فِي نَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ» ،رواه الطبراني واحمد وابن المبارك بالزهد وصححه الالباني 

. فمن صفات الغرباء الاصلاح في زمن الفساد وفرق بين الصالح لنفسه والمصلح لغيره.
 

الأربعاء، 10 يوليو 2013

الناس في رمضان


ان الناظر الى احوال الناس في رمضان وكيفية تعاملهم مع شهر رمضان  يمكنه القول انهم مختلفون كل الاختلاف وهم على اقسام . 

اما القسم الاول :نساء صائمات ومتبرجات ، وقوم نهارهم نوم  وليلهم فسق وفجور وسهر على المحرمات كمثل التلفاز والمسلسلات الهابطة التي تخدش الايمان والصيام  وتذهب الحسنات وعلى الدخان والأفلام والأغاني المرتفعة في المقهى، وجعلوا من الشهر شهر كل  وشرب ولهو ،  فيضيعون أوقاتهم فيقومون كأنهم قاموا على جيفة حمار، وهذا حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول. " ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا على مثل جيفة حمار وكان عليهم حسرة يوم القيامة " صححه الالباني , فانهم صاموا عن الاكل والشرب فقط   ولم يكفوا السنتهم وحواسهم عن الحرام فان هؤلاء وضعوا  حسناتهم في كيس مثقوب فذهب صومهم , وانقلبوا بنعمة الله خاسرين , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رواه البخاري

والقسم  الثاني : صوم بلا صلاة  وهؤلاء امرهم عجيب ، فان الذي فرض الصوم هو الذي فرض الصلاة ,وان الصلاة الركن الثاني كما ان الصوم الركن الرابع ,فالدين يقوم بالشهادة وبالصلاة والزكاة والصوم والحج  , ولا  فرق بين الاركان , وحسبهم حديث من ترك صلاة العصر فقد احبط عمله ,قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ "رواه البخاري
والقسم الثالث : لا صلاة ولا صوم ويجاهر ، فانه ظالم لنفسه وموبقها ومعرضها للندم والخسران والعذاب الاليم ، فانه باع اخرته بلذة زائلة مؤقتة ، والله لا يحب الجهر بالسوء، والمسلم معافى الا المجاهر. 

والقسم الرابع: بدا رمضان بالطاعات والمسارعة للخير لا يفوته خير والا كان سباق فيه , الا انه في اواخر رمضان نكص على عقبيه وبدا الفتور يدخل في طاعته  فأصابه وهن بعد قوة , فمثله كمثل الفرس الذي انطلقت مسرعة حتى تعبت قبل نقطة النهاية فخسرت ، ولن تنفعها  سرعتها وانطلاقتها القوية في بداية السباق .او كالذي نقضت غزلها من بعد قوة .

والقسم الخامس : ترك الصيام  بغير عذر, فانه اتى كبيرة من الكبائر , من ترك صوم شهر رمضان متعمداً كسلاً وتهاوناً ولو يوماً واحداً منه ، ولم يكن جاحدا لوجوبه فهو فاسق وليس بكافر، بحيث إنه لم ينو صومه من الأصل، فقد أتى كبيرةً من كبائر الذنوب، وتجب عليه التوبة ،وإلى هذا ذهب  أهل العلم  ومن الادلة  قول الله تعالى { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229]ووجه الدلالة: أنَّ ترْكَ صوم رمضان من تعدي حدود الله عز وجل، وتعدي حدود الله تعالى ظلم، والظالم لا يُقبل منه وقد ثبت فيه من الوعيد ما يفري الأكباد ويقض المضاجع، فعن أبي إمامة  رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم أتاني رجلان، فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعرا، فقالا: اصعد. فقلت: إني لا أطيقه. فقال: إنا سنسهله لك. فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة. قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً. قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: الذين يفطرون قبل تحلة صومهم." صححه الحاكم والذهبي، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من أفطر عامداً بغير عذرٍ كان تفويته لها من الكبائر, وقال الحافظ الذهبي رحمه الله: وعند المؤمنين مقرر: من ترك صوم رمضان بلا عذر بلا مرض ولا غرض فإنه شر من الزاني والمكَّاس ومدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه، ويظنون به الزندقة والانحلال.
واختلفوا اهلم العلم  هل عليه القضاء أم لا؟ على قولين:  القول الأول: عليه القضاء  ، وبه أفتى ابن باز ,والقول الثاني: لا يلزمه القضاء، ، واختاره ابن تيمية  ، وابن عثيمين  .
واما القسم السادس : وهم الفائزون  الذين  افلحوا وكانوا من الصديقين والشهداء ،فعن عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه قال جاء رجل من قضاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني شهدت أن لا إله إلا الله وانك  رسول الله وصليت الصلوات الخمس وصمت رمضان  وقمته وآتيت الزكاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات على هذا كان  من الصديقين والشهداء" .رواه البزار وابن خزيمة في صحيحه وابن حبان وصححه الالباني 
 والذين امتثلوا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ": «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » رواه البخاري ,وكانوا من أصحاب القران  وذكروا الله كثيرا    وهم من سماهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالمفرِّدين، فقال: (سبق المفردون)، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟! قال: (الذاكرون الله كثيراً، والذاكرات) رواه مسلم.
وهم الذين اقاموا الصلاة  ، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» .رواه اهل السنن وصححه الالباني
وتصدقوا وكانوا من المتسارعين في الخير والعمل الصالح . روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا جاء إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فقال يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله فقال:" أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله  عز وجل  سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا " حسنه الالباني  , ولم ينسوا الدعاء وطلبوا حوائجهم فقضاهن الله لهم , قال الله رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد لولده ودعوة الصائم ودعوة المسافر" حسنه الالباني .
فان هؤلاء علموا ان رمضان شهر الطاعة والمغفرة والعبادة والقربى فاغتنموا  الشهر وربحوا البيعة  فكن منهم وانصح الانواع الاخرى ليكونوا مثلهم, فان رمضان شهر في العام فاغتنمه  ، قال جابر رضي الله عنه: "ولا يكن يوم صومك ويوم فطرك سواء".
وحسبك قول  الرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلم يفتح مِنْهَا بَاب الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِأَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أقصر ن وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وصححه الالباني  

كتبه العبد الفقير سمير ابو تيلخ في الاول من رمضان لعام 1434 الموافق 10-7-2013م