الخميس، 11 سبتمبر 2014

الغني والفقير


اليكم هذه القصة الواقعية عن رجل كان  من اهل المسجد ورواده ولم يترك فرضا ولا خيرا الا كان له سبّاقا ، للخير مشكاة وللشر عدوا  ، في سبيل الله مسافر وللعلم طالبا ، فما هي إلا إيام فانقلبت الموازين فبدأ  بترك المسجد والتهاون بالفرائض  ثم أعقبها بترك السنن بحجة إنها سنة  لا يحاسب على تركها ، فبدأ  رويدا رويدا ينسل من الإيمان وثقل  عليه عمل الخير  ودب فيه  الفتور والكسل ، وما هذا التردي في الحالة  إلا لأن الدنيا  أخذت زخرفها وأزينت  وطابت له  وأتته طوعا لا كرها ، فأغناه الله بعد فقره فعصى الله بدل شكره  .

وأن الله يعلم من حال عبده أنه لو بسط عليه الرزق قاده ذلك إلى الفساد فيزوي عنه الدنيا وزخرفها وزينتها  لمصلحة له  يعلمها جل جلاله ويجهلها العبد الذي علم الظاهر وغاب عنه الباطن، وقد يفتح الله على عبده الرزق والدنيا لما فيه من صلاح دينه ، فإن من العباد الفقر عدو دينه ، فإن مسّه الفقر اضجر وتألم وأخذ يتذمر ويشكو ويسخط على القدر ، ويقول إن عذاب نزله به ، ونسي أن من اسماء الله الحكيم الخبير البصير الغني  ولو علم حكمة الله لحمد الله ، قال تعالى (( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير ، -  سورة الشورى) فالله هو المدبر الأعلم بمصلحة عباده والخير لهم ، ولا يعني ضيق الرزق هوانا ولا سعة الرزق فضيلة ، ولا يظن العبد إن من علامات حب الله له فتح الدنيا عليه وضيق الرزق من سمات السخط والإهانة  قال الله في سورة الفجر ((فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن ( 15 ) وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن ( 16)  ))وقد جاء في تفسير ابن كثير يقول تعالى منكرا على الإنسان في اعتقاده إذا وسع الله عليه في الرزق ليختبره في ذلك ، فيعتقد أن ذلك من الله إكرام له وليس كذلك ، بل هو ابتلاء وامتحان ، وكذلك في الجانب الآخر إذا ابتلاه وامتحنه وضيق عليه في الرزق ، يعتقد أن ذلك من الله إهانة له ،  ( كلا ) أي : ليس الأمر كما زعم ، لا في هذا ولا في هذا ، فإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب ، ويضيق على من يحب ومن لا يحب ، وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين ، إذا كان غنيا بأن يشكر الله على ذلك ، وإذا كان فقيرا بأن يصبر , والحكمة من توزيع الارزاق كذلك لو جعل سواء في المال لما انقاد بعضهم لبعض لتعطلت الصنائع.

وقد أعطى  المال أقواما مع علمه أنهم يستعملونه في الفساد لاستدراجهم ،فأخذهم  الله بذنوبهم بما كانوا يصنعون وكان وبالا عليهم  ، وإن الدينا يعطيها الله من يحب ومن لا يحب وأفلح وفاز من رزقه الله الإيمان والأخلاق والعلم والصلاح  قال  رسول الله صلى الله عليه وسلم  " إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من أحب )) السلسلة الصحيحة للألباني,   فاحمد الله واشكره على نعمه الظاهرة والباطنة , فمن  الشكر الحفاظ على النعمة  واستعمالها  بالخير واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

الثلاثاء، 9 سبتمبر 2014

الخيانة المقصودة

من تولى امر من امور المسلمين كحاكم او رئيس بلدية أو مدير مؤسسة عامة او ايتها منصب عام  يخدم به المسلمين من خلاله ، فيجب عليه ان يتخذ الأصلح  والأفضل وصاحب الكفاءة لقول النبي صلى الله عليه وسلم { : من ولي من أمر المسلمين شيئا ، فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله } . وفي رواية : { من قلد رجلا عملا على عصابة ، وهو يجد في تلك العصابة أرضى منه ، فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين } رواه الحاكم 
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا لمودة أو قرابة بينهما ، فقد خان الله ورسوله والمسلمين .

وهذا واجب عليه فيجب عليه البحث عن المستحقين من المسلمين ، 
وعلى كل واحد من هؤلاء، أن يستنيب ويستعمل أصلح من يجده  ، وهذا في أئمة الصلاة والمؤذنين ، والمعلمين  ، فيجب   أن يستعمل فيما تحت يده في كل موضع أصلح من يقدر عليه ، ولا يقدم لمصلحة القرابة او صحبة او لمصلحة او مهما خرج عن نطاق الكفاءة والافضلية   . 

فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره ، لأجل قرابة بينهما أو صداقة ، أو موافقة في بلد ( كان يكونا من نفس البلد ) او جنس ( ذكر كان او انثى) أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة ، أو غير ذلك من الأسباب ، أو لضغن في قلبه على الأحق والافضل أو عداوة بينهما  ، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ، ودخل فيما نهي عنه في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } . 

ومثال على ذلك ثلاث طالبات تقدمن لوظيفة معينة ( معلمة او موظفة ) بعد اتمام سنين من الدراسة فالاولى اجدرهن واثقفهن واصلحهن واعلمهن واتقاهن واصلحهن للقيام بهذا الا ان كان نصيبها الرفض كونها لم تتغنج في كلامها او لانها لا تمت للمسؤول بقرابة معينة تربطه بها ، فان هذا التعيين خيانة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم والعلة فذ ذلك سبب اختياره ليس للأصلح وانما للقرابة وقد خان الله ورسوله والمجتمع ، 
وهذا ينطبق ايضا على مجتمع معين نصّب  وفضّل مسؤولا او حاكما او رئيسا  معينا عليهم وهم يوقنون انه خائن لدينه  ولمجتمعه  وما جعلهم يملّكوه  أمور المسلمين الا لمصلحة مؤقتة او لقرابة معينة تربطهم به او لمنصب وعدهم اياه ، فاذا وسد الأمر لغير اهله فقد ضاعت الأمانة وخان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم واي ذنب اعظم من هذا ؟ 

الثلاثاء، 2 سبتمبر 2014

نظرة في حقيقة الانتماء

الانتماء الحقيقي هو الإنتماء  المبني على المعرفة والعلم اليقيني المجرد من الهوى والباعث النفسي كالمصالح ، فهو  يعي جوهر الأمر الذي ينتمي إليه ، ولا يكون انتماء سطحي جاهلي كالذي يعبد المصطلحات من غير البحث عن حقيقتها وجوهرها والمراد منها وأسبابها ،فلا يعقل من منتمي لأمر معين أي ما كان  سواء فكرا أو حزبا او عقيدة وهو لا يدرك  أي شيء عنه سوى شعارا يردده ولو سألته عن معناه والمراد منه لخر صم بكم عمي فهم لا يفقهون او كالذي ينعق خلف الراعي  .
وخير الانتماء أن تكون منتمي  للإسلام وهنا نوضح نقطة جوهرية وهي أن هناك  فرق بين الإسلام والمسلمون ، فالمسلمون هم عبارة عن تطبيق للمنهج قد يصيبوا وقد يخطئوا المنهج ولهم أسبابهم ، وكذلك التاريخ ليس مصدرا معتمدا  في الإسلام وإنما هو عبارة عن حركة المسلمون ، فالإسلام هو منهج كامل والمسلمون لهم وعليهم  والخطأ يقع بالتطبيق ومن المسلمون وليس في المنهج "الإسلام".
 فمن غيرالمعقول أن تسأل مسلم لماذا أنت مسلم فلم يجد جوابا ؟ أو تسأله :عرف الإسلام بكلام يسير بسيط موجز يفهمه المسلم والغير مسلم فلا يقرر جوابا شافيا وإنما يأتيك بعدة أجوبة بعضها تناقض بعض وبعيدة كل البعد عن الفهم الصحيح للدين , وإن المفهوم هو من يحدد المسير ، فمن فهم الإسلام على أنه عبادات فقط  لا أكثر فسيركن إلى طرف المسجد ويجعله صومعة له يتعبد بها  وفي الخارج تراه أشبه بإبليس يعاني من ازدواجية في الشخصية ، ومن فهم الإسلام على أنه عبارة عن اخلاقيات من غير طاعة فهو للزندقة أقرب , ومن لم ير في الدين إلا كلمة حرام ومكروه فهو للغلو عابد وللتطرف أسير , ومن ظن أن الدين خانق للحريات وظالم للحقوق فهو أجهل الجاهلين بدينه ، وهكذا كل على حسب  فهمه  للإسلام ينضبط  بقدر المفهوم , ويسير ويحدد مسيره في التطبيق ، ومن هنا دخل  الوهن واستكان المسلمون لعدم فهمهم للإسلام كما فهمه الأقدمون مدرسة النبوة ومن سار على منهجهم .
وكذلك المنتمي لحزب معين فإنه مطالب بمعرفة الحزب ونظرته الدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ومصادره والمبادئ التي يرتكز عليها في ايدولوجيته  ،  
واضرب مثالا بسيطا قد سألت  أحدهم يوما يردد  على مسامعنا  دائما أنه يدعم الفكر الشيوعي ويدعو له فقلت حبذا لو تعرفنا ما هي الشيوعية أولا حتى  يتسنى لنا ان نقرر هل هي مناسبة لدينا ولثقافتنا ولمجتمعنا ؟  او ما هي الشيوعية التي تدعو لها ؟ فاذ به يتكلم كلاما عاما فأيقنت بلحظتها أنه يدعو لشيء لا يفقهه  وإنما ينعق خلفهم من غير بينة ونور ، ومثال اخر أحدهم يدعو للفكر الاسلامي فرد عليه نصراني ما هو موقف الإسلام من الغير مسلمين تحت الحكم الاسلامي؟ فبرر جوابه أن ترك الجدال  أولى وإن كان محقا (( وهذا الجهل المطبق في حكم النقاش))
 واخر يدعو لحزبه الاسلامي إنه هو الصواب والمعصوم من الزلل  وإنه هو منقذ  البشرية من الجاهلية المعاصرة  فإن فكرت أن تسأله  إلى ماذا يدعو أسرع وأجاب جوابا عاما وقال ادعو الى " الإسلام" وجهل هذا أن كلنا مسلمون  مثله , فإن رددت عليه الكرة أخرج من صندوق التهم الفتنة والتكفير والردة والتفسيق والتبديع !!
وهذا الفريق من الناس قد عطلوا عقولهم واستأجرها غيرهم ليملأها ما يريده , فقد حُولوا الى أداة تدار وفق المطلوب , فلا عجبا  أن تسمع من يقول أنا مسلم شيوعي أو مسلم علماني, فتحرير  العقول يتمثل بعدم الانقياد خلف كل متكلم عذب اللسان جميل المنطق حسن المنظر كما جاء بالحديث أنه  قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا أو إن بعض البيان لسحر ) أخرجه البخاري .
وإنما يدور العقل مع الدليل ( قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين ) فالمتكلم قبل الكلام وما كثر  الدجل والكذب واللعب بالدين والتجارة به للوصول لقلوب البشر كونهم يصدقون كل من ادعى أنه ناصر للحق وانتشرت  الخرافات وطغيان  الدراويش على مجتمعنا إلا بسبب الطاعة العاطفية  العمياء وترك العقلانية المبنية على الحجة والبرهان والدليل الساطع المفهوم  ،وإن القناعة والمعرفة والعلم ترسخ الانتماء فيكون دائم وليس عاصفة مؤقتة خرجت بساعة الحماس المؤقت  .
ونصيحتي هي (( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين  يوسف108))  يقول  الله جل جلاله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يدعو إلى الله على بصيرة من ذلك ويقين وبرهان شرعي وعقلي ، هو وكل من اتبعه ،فكن على بصيرة بما تدعو اليه ولا تكن كالغنم خلف الراعي تدور اينما دار, واعلم حقيقة الامور وجوهرها ولا يغرك الخطاب العاطفي.