الاثنين، 30 ديسمبر 2013

ثواب الكافر لعمله الصالح

قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها )رواه مسلم  وفي رواية : ( إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا ، وأما المؤمن فإن الله تعالى يدخر له حسناته في الآخرة ، ويعقبه رزقا في الدنيا على طاعته ) .
أجمع العلماء على أن الكافر الذي مات على كفره لا ثواب له في الآخرة ، ولا يجازى فيها بشيء من عمله في الدنيا ، متقربا إلى الله تعالى ، وصرح في هذا الحديث بأن يطعم في الدنيا بما عمله من الحسنات ، أي : بما فعله متقربا به إلى الله تعالى مما لا يفتقر صحته إلى النية ، كصلة الرحم والصدقة والعتق والضيافة وتسهيل الخيرات ونحوها ، وأما المؤمن فيدخر له حسناته وثواب أعماله إلى الآخرة ، ويجزى بها مع ذلك أيضا في الدنيا ، ولا مانع من جزائه بها في الدنيا والآخرة ، وقد ورد الشرع به فيجب اعتقاده .

قوله : ( إن الله تعالى لا يظلم مؤمنا حسنة ) معناه : لا يترك مجازاته بشيء من حسناته ، والظلم يطلق بمعنى النقص وحقيقة الظلم مستحيلة من الله تعالى ، ( ومعنى أفضى إلى الآخرة ) صار إليها ، وأما إذا فعل الكافر مثل هذه الحسنات ثم أسلم فإنه يثاب عليها في الآخرة على  الصحيح .

(شرح النووي على صحيح مسلم)

الأربعاء، 11 ديسمبر 2013

فضل الكسب بعرق الجبين

قال تعالى : ( وجعلنا النهار معاشا ) [ النبأ : 11 ] فذكره في معرض الامتنان ، وقال تعالى : ( وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون ) [ الأعراف : 10 ] فجعلها ربك نعمة وطلب الشكر عليها ، وقال تعالى : ( فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ) [ الجمعة : 10 ] .

وأما الأخبار فمنها قوله صلى الله عليه وسلم : لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير من أن يأتي رجلا أعطاه الله من فضله فيسأله أعطاه أو منعه ، وكان صلى الله عليه وسلم جالسا مع أصحابه ذات يوم فنظروا إلى شاب ذي جلد وقوة وقد بكر يسعى فقالوا : " ويح هذا لو كان شبابه وجلده في سبيل الله تعالى " فقال صلى الله عليه وسلم : لا تقولوا هذا فإنه إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان .

وقيل : " يا رسول الله أي الكسب أطيب ؟ قال : عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور ، وقال صلى الله عليه وسلم : خير الكسب كسب العامل إذا نصح أي بأن أتقن وتجنب الغش وقام بحق الصنعة .

وقال " عمر " رضي الله عنه : " لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة " .

وقال " ابن مسعود " رضي الله عنه : " إني لأكره أن أرى الرجل فارغا لا في أمر دنياه ولا في أمر آخرته " .

وقيل : " لأحمد بن حنبل " رضي الله عنه : ما تقول فيمن جلس في بيته أو مسجده وقال : لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي " ؟ فقال : " أحمد " : هذا رجل جهل العلم أما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله جعل رزقي [ ص: 112 ] تحت ظل رمحي . وقوله عليه السلام حين ذكر الطير فقال : تغدو خماصا وتروح بطانا فذكر أنها تغدو في طلب الرزق .

وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم ، والقدوة بهم .

ومن ليس له مال موروث فلا ينجيه من ذلك إلا الكسب والتجارة ; نعم ترك الكسب أفضل لعالم مشتغل بتربية علم الظاهر مما ينتفع الناس به في دينهم كالمفتي - أي الفقيه والمفسر والمحدث وأمثالهم - أو رجل مشتغل بمصالح المسلمين كالسلطان والقاضي والشاهد ، فهؤلاء إذا كان يكفون من الأموال المرصدة للمصالح أو الأوقاف المسبلة على الفقراء أو العلماء فإقبالهم على ما هم فيه أفضل من اشتغالهم بالكسب ، ولهذا أشار الصحابة على " أبي بكر " رضي الله عنهم بترك التجارة لما ولي الخلافة إذ كان ذلك يشغله عن المصالح ، وكان يأخذ كفايته من مال المصالح ، ورأى ذلك أولى ، ثم لما توفي أوصى برده إلى بيت المال ولكنه رآه في الابتداء أولى .