الأربعاء، 24 يوليو 2013

المؤمنون حقا





المؤمنون حقا

ان الانسان بطبعه يسعى نحو الافضل والكمال  والدرجات العالية  وكذلك المؤمن , وقد ذكر الله تعالى في سورة الانفال خمس صفات للمؤمنين حقا وأثنى عليهم ووعد لهم مغفرة ورزق كريم فقال عنهم  ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ  ( 2 ) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ  ( 3 ) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ  ( 4 ) ) الانفال  ذكر  الله تعالى للمؤمنينحقا ( والايمان قولا وعملا وذكرا)  خمس صفات وحصرها بأداة الحصر انما, واما الصفات هي:
1-  الصفة الاولى – ( إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ_") والوجل : الفزع من عذاب, وهذا يرجع إلى كمال المعرفة وثقة القلب . ونظير هذه الآية " وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم""  . وقال :"" وتطمئن قلوبهم بذكر الله"" . وقد جمع الله بين المعنيين في قوله" اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ "( 23 الزمر) أي تسكن نفوسهم من حيث اليقين إلى الله وإنهم يخافون الله, وروى سفيان  عن  السدي  في قوله جل وعز : الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم قال : إذا أراد أن يظلم مظلمة قيل له : اتق الله ، كف ووجل قلبه , وذلك لقوة إيمانهم ومراعاتهم لربهم.
وأما  الطرف المقابل  الذين اذا ذكر الله عندهم اشمأزت قلوبهم وعتت وزادتهم نفورا ،قال تعالى "وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُون "  فاذا ذكر الله عند الكافر اشمأز قلبه وانقبض ونفر واستكبر  وكفر ونفر  وأنكر وذعر , وكان المشركون إذا قيل لهم " لا إله إلا الله " نفروا وكفروا . وإذا ذكر الذين من دونه يعني الأوثان والكفريات , إذا هم يستبشرون فرحون سعداء  ويظهر ذلك  في وجوههم البشر والسرور ,يكرهون الحق ويفرحون للباطل . وكذلك ابغض الناس الى الله , "وإن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل: اتق الله، فيقول: عليك نفسك ". صححه الالباني 2939
2-  الصفة الثانية :  قَوْلُهُ : ( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا  ) كَقَوْلِهِ : ( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ )[ التَّوْبَةِ : 124 ] والمراد بآيات الله القران الكريم , فإن القران يهدي لأقوم الطرق ((( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ )الاسراء 9)) والقران فيه السعادة والفوز في الدارين ولا شقاء مع القران ((مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى  - 2 طه ) ومن اعتصم به خرج من الظلمات الى النور ,وفرَّق بين الباطل والحق ولا يلتبس عليه  الباطل بلباس الحق, وكان المسلمون  إذا سمعوا القرآن قالوا : قد ازددنا إيمانا ، كقول  معاذ بن جبل  للأسود بن هلال   : اجلس بنا نؤمن ساعة ، يعني بمذاكرة القرآن وأمور الدين , فقراءة القران من المفروض  ان تملأ القلب نور الايمان , وزيادة الايمان تقتضي زيادة العمل, لان العمل من لوازم الايمان ,بخلاف  صفات المنافق التي  اذا تليت عليه آيات الله زادته نفورا وبعدا.
3-  الصفة الثالثة (( وعلى ربهم يتوكلون  ) متوكلون على ربهم, ومن خصال الايمان التوكل لقول الله تعالى في سورة التغابن " اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( 13 ) , ولهذا قال سعيد بن جبير   : التوكل على الله جماع الايمان  والتوكل هو :لا يرجون سواه ، ولا يقصدون إلا إياه ،ولا يلوذون إلا بجنابه ، ولا يطلبون الحوائج إلا منه ، ولا يرغبون إلا إليه ، ويعلمون أنه ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأنه المتصرف في الملك وحده لا شريك له ، ولا معقب لحكمه ، وهو سريع الحساب ؛ جماع الإيمان   ,وهذا لا ينافي الأخذ بالأسباب بل من لوازم التوكل الاخذ بالأسباب ,لقول الله تعالى ( فامشوا في مناكبها ) وقوله ((

وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا 

 )).
وهنا لفتة مهمة فبعد ان ذكر الصفات القلبية اعقبها ونبه على الأعمال ,فالعمل مصدق للمعتقد.
4-  واما الصفة الرابعة ( الذين يقيمون الصلاة )) واقامة الصلاة فرض كل مسلم مكلف ،  وإقامة الصلاة هي  المحافظة على مواقيتها ووضوئها ، وركوعها ، وتمام ركوعها وسجودها ، وتلاوة القرآن فيها ، والتشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا إقامتها ,اقامة بكل هيهاتها.
و في سورة المعارج ( الذين هم على صلاتهم دائمون  ) المراد بالدوام الذين إذا عملوا عملا داوموا عليه وأثبتوه ,وقوله ( وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ  ) وقوله : ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون  ) [ المؤمنون : 1 ، 2 ]  وكما جاء في الصحيح عن عائشة ،  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل  " . وفي لفظ : " ما داوم عليه صاحبه " ، وقالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملا داوم عليه .
5-  والصفة الخامسة  وهي (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ))فينفقون مما رزقهم الله ليلا ونهارا سرا وعلانية لقول الله تعالى " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " والأمة التي يكفل القوي فيها  الضعيف، وغنيها يكفل  فقيرها  ، ويقوم فيها القادرون بالمصالح العامة ، وفي الآية  بيان عموم الأوقات مع عموم الأحوال من الإظهار والإخفاء ، وفي تقديم الليل على النهار والسر على العلانية ايذان بتفضيل صدقة السر ، ولكن الجمع بين السر والعلانية يقتضي أن لكل منهما موضعا بحسب الحال وتفضله المصلحة لا يحل غيره محله , وهؤلاء الذين ينفقون أموالهم في كل وقت وكل حال لا يقبضون أيديهم مهما لاح لهم طريق للإنفاق هم الذين بلغوا نهاية الكمال في الجود والسخاء وطلب مرضاة الله ولهم اجرهم ولا خوف عليهم على الماضي ولا خوف عليهم حين يخاف البخلاء يوم الحساب العسير , ولا حزن على المستقبل من فقر  – والأنفاق يكون من مال او علم او وقت او مساعدة فالأنفاق لفظ  واسع , والكل ينفق مما اتاه الله فلا يكلف الله نفسا الا بما اتاها.
واما من  اتصف بهذه الاوصاف أولئك هم المؤمنون حقا أي الذي استوى فيهم الإيمان ظاهرهم  وباطنهم (( أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ))  ولهم: ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون  ) أي : فلا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله لهم في الجنات من النعيم المقيم ، واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد فإن الجزاء من جنس العمل .وعن  أبي هريرة  ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  " قال الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " . قال أبو هريرة : فاقرءوا إن شئتم : ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين  ) متفق عليه, وروى مسلم  ان رسول الله صلى الله عليه قال : " سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ، مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ  ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ، وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ ، فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، قَالَ: رَبِّ، فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ "، قَالَ: وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: " {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17].   وكذلك لهم  من نعيم الدنيا بطمأنينة القلب والحياة الطيبة والسكون والهدوء ,ومن اتصف بهذه الصفات هم المؤمنون حق الإيمان ولهم نعيم الدارين .

                                                                                  سمير ابو تيلخ 24-7-2013 

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق