الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

الحب الواجب والمحرم


ما هو المقصود من الحب ؟ فلو سألت هذا السؤال للشيخ لأجابك  بأن الحب هو حب الله ورسوله ، ولو سألت  الوالدين لأجابوك حب الابن البار لأهله وحب الأهل لابنهم البار، ولو وجهت السؤال نفسه ما هو الحب  للزوجة لقالت بلا شك حب الزوج لزوجته وحب الزوجة  لزوجها. 
فالأجوبة متفاوتة  ومختلفة باختلاف الأفكار والثقافات والأعمار  ،  فكل  منهم له جوابه ونظرته وفكره الذي من خلاله استخلص مفهوم الحب ,فالفكر دال على الجواب .  
إلا أني أرى أن الحب نوعان ، حب واجب ومندوب على المسلم ويؤجر عليه , وحب محرم عليه يقترف سيئات إن أصابه منه شيء،فالحب الواجب  وهو على مراتب ومنازل متفاوتة ، فالمرتبة الأولى حب الله ورسوله ، فمن كره الله ورسوله فقد خرج من الملة الإسلامية وكفر  , ومن أحب الله ورسوله أكثر من نفسه فقد استكمل الإيمان ،قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» » رواه البخاري, (أحب إليه) مقدما لديه وعنوان ذلك الطاعة والاقتداء وترك المخالفة] والمراد من لا يؤمن  بالحديث نفي كمال الإيمان وليس نفي الإيمان ، أي لا يؤمن أحدكم إيمانا كاملا حتى  يكون الله ورسوله أحب إليه من نفسه .  وميزان ومعرفة حب  الله ورسوله هو الحب العقلي ; الذي يرجح العقل فيه أمر الله ورسوله على هوى النفس  إن تعارضا. 
وفي المرتبة الثانية حب  شرع الله - الإسلام-  وقرانه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ومن كره ما أنزل الله فقد وصفه تعالى في سورة محمد  بالكفر قال تعالى : وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ(٨) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ(٩) . ولا ننسى أن الإسلام مقدم على النفس ، فالجهاد بذل النفس في سبيل نصرة الإسلام ، وفي المرتبة الثالثة  يأتي حب الأهل ، فالواجب على المسلم حب أهله ، وحب الأهل من الإحسان الذي وصى  الله تعالى في كتابه وقال  ( وبالوالدين إحسانا ) والمرتبة الرابعة يأتي حب الوطن ، فحب الوطن واجب شرعي فمكة المكرمة كانت أحب البقاع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم , فعبد الله بن عدي ابن الحمراء قال  رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته واقف بالحزورة  يقول : والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلي والله لولا أني أخرجت منك ما خرجت » . رَوَاهُ الترمذيُّ وَابْن مَاجَه وصححه الألباني  ،  فتبين أنها أحب أرض الله إلى الله ورسوله وأخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا ", ومن ثم يأتي الحب المندوب , حب الزوج لزوجته, وحب الإخوة  , وهكذا كل حسب موقعه . 
وأما الحب المحرم شرعا  ، الذي لا يجيزه ديننا وهو ما يتعلمه شبابنا من وسائل الإعلام الفاسدة حب الشباب للبنات ،  والغراميات وتقليد الأفلام الهابطة  ،  واتخاذ الأخدان ، فان الله قال في كتابه العزيز :" ولا متخذات أخدان "أي أصدقاء على الفاحشة ، وأحدهم خدن وخدين ، وهو الذي يخادنك  ، ورجل خدنة ، إذا اتخذ أخدانا أي أصحابا.واتخاذ الأخدان محرم ،
 وحكمة الإسلام  في تحريم اتخاذ الأخدان أي الخليلات وإقامة العلاقة العاطفية معهن، وكيف أن هذا باب إلى الفساد عريض، ومدخل واسع من مداخل الشيطان التي يستدرج  بها المسلم إلى الوقوع في الفاحشة والرذيلة،لا يعرف الإسلام اتخاذ الخليلات ولا العشيقات خارج إطار الزواج الشرعي.
فلنحب الحب الواجب الشرعي الذي نؤجر عليه  ولنبتعد عن الحب الحرام الذي نعاقب عليه.

كتبه العبد الفقير سمير أبو تيلخ  ١٤/١٢/٢٠١٢ 

الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

حكم القيام للقادم

حكم القيام للقادم
يجوز القيام للقادم إذا كان القيام بقصد إكرام أهل الفضل كالعلماء والوالدين لأن احترام هؤلاء وأمثالهم مطلوب شرعاً.
وقد ثبت في الحديث الصحيح، عن أبي سعيد الخدري، أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه فجاء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قوموا إلى سيدكم، أو قال خيركم .... الحديث) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.
قال الإمام النووي: " قوله - صلى الله عليه وسلم -: قوموا إلى سيدكم أو خيركم فيه إكرام أهل الفضل وتلقيهم بالقيام لهم إذا أقبلوا، هكذا احتج به جماهير العلماء لاستحباب القيام .... ، قلت القيام للقادم من أهل الفضل مستحب، وقد جاء فيه أحاديث ولم يصح في النهي عنه شيء صريح " شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 440.
ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت أحداً من الناس كان أشبه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كلاماً ولا حديثاً ولا جلسة من فاطمة، قالت كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رأها قد أقبلت، رحب بها ثم قام إليها فقبلها، ثم أخذ بيدها فجاء بها حتى يجلسها في مكانه، وكانت إذا أتاها النبي - صلى الله عليه وسلم - رحبت به، ثم قامت إليه فأخذت بيده فقبلته .... ) رواه أبو داود والترمذي، وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني، انظر صحيح الأدب المفرد ص356.
ويؤيد ذلك ما جاء في الحديث الطويل في قصة توبة كعب بن مالك، حين تخلف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، فتاب الله عليه، وفيه: (وآذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة يقولون: لتهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد، فإذا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحوله الناس، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني .... ) رواه البخاري ومسلم وغير ذلك من الأحاديث.
والقيام للقادم إذا كان بقصد المباهاة والتفاخر والسمعة والكبرياء فهذا  منهي  عنه، فقد ورد في الحديث عن معاوية بن أبي سفيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم قال: (من سرّه أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار) رواه أبو داود والترمذي وحسنه.
وقد جعل ابن رشد المالكي، القيام للقادم على أربعة أوجه:
1 - محظور، وهو أن يقع لمن يريد أن يقام له تكبراً وتعاظماً على القائمين إليه.
2 - مكروه، وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين، ولكن يخشى أن يدخل إلى نفسه بسبب ذلك ما يحذر، ولما فيه من التشبه بالجبابرة.
3 - جائز، وهو أن يقع على سبيل البر والإكرام لمن لا يريد ذلك، ويؤمن معه التشبه بالجبابرة.
4 - مندوب، وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحاً بقدومه، أو إلى من تجددت له نعمة، فهنئه بحصولها، أو مصيبة فيعزيه بسببها. " فتح الباري 13/ 290.
قال الشيخ أحمد بن قدامة المقدسي: " وقد قال العلماء: يستحب القيام للوالدين والإمام العادل، وفضلاء الناس، وقد صار هذا كالشعار بين الأفاضل، فإذا تركه الإنسان في حق من يصلح أن يفعله في حقه، لم يأمن أن ينسبه إلى إهانته والتقصير في حقه، فيوجب ذلك حقداً، واستحباب هذا
في حق القادم لا يمنع الذي يقام له أن يكره ذلك ويرى أنه ليس بأهل لذلك "

كتبه العبد الفقير سمير أبو تيلخ

الجمعة، 14 ديسمبر 2012

الزواج نصف الدين

الزواج نصف الدين
انتشر بين الناس على مختلف أجيالهم مقولة "الزواج نصف الدين " ، فما هو  مصدر هذه المقولة ؟ وما هو صحتها ؟ وما معناها؟ فمحور حديثنا سيكون حول هذه المقولة ,  والبحث عن جواب لهذه الأسئلة الثلاث ، والجواب على السؤال الأول هو : أن هذه المقولة أُخذت من الحديث النبوي الشريف ،فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي" رواه الطبراني في الأوسط والحاكم ، وفي رواية للبيهقي   قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الباقي".
وأما السؤال الثاني عن صحة هذه المقولة  ، فالحديث صحيح عند الألباني ، فقد صححه في الترغيب والترهيب والسلسلة الصحيحة ، وعلى هذا فإن مقولة " الزواج نصف الدين" صحيحة مأخوذة من حديث صحيح .

ومعنى الكلام كما قال القرطبي :من تزوج فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الثاني. ومعنى ذلك أن النكاح يعف عن الزنى ، والعفاف أحد الخصلتين اللتين ضمن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما الجنة فقال:
«مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ»اخرجه البخاري .ولحييه  اي لسانه .
.

وقال الغزالي في إحياء علوم الدين: وقال صلى الله عليه وسلم من تزوج فقد أحرز شطر دينه فليتق الله في الشطر الثاني وهذا أيضاً إشارة إلى أن فضيلته لأجل التحرز من المخالفة تحصناً من الفساد فكأن المفسد لدين المرء في الأغلب فرجه وبطنه وقد كفى بالتزويج أحدهما.


كتبه العبد الفقير سمير أبو  تيلخ   . تاريخ ١٣/١٢/٢٠١٢



كتبه العبد الفقير سمير ابو تيلخ .تاريخ ١٣/١٢/٢٠١٢

الأربعاء، 5 ديسمبر 2012

أهمية التعاون في الاسلام



لقد جعل الله سبحانه وتعالى التعاون فطرة جبلية، جبلها في جميع مخلوقاته صغيرها وكبيرها ذكرها وأنثاها إنسها وجنها، فلا يمكن لأي مخلوق أن يواجه كل أعباء الحياة ومتاعبها لوحده منفرداً، بل لابد أن يحتاج إلى من يعاونه ويساعده، لذلك فالتعاون ضرورة من ضروريات الحياة، التي لا يمكن الاستغناء عنها، فبالتعاون ينجز العمل بأقصر وقت وأقل جهد، ويصل إلى الغرض بسرعة وإتقان , والتعاون هو: المساعدة على الحق ابتغاء الأجر من الله سبحانه.
والملاحظ أن نصوص الشريعة جاءت بالخطاب الجماعي , فقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وردت 89 مرة، وقوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ عشرين مرة، وقوله يَا بَنِي آدَمَ خمس مرات  فإن ذلك دلالة على أهمية الاجتماع والتعاون والتكامل .
والتعاون نوعان: الأول: مما أمر الله به ورسوله, فهو التعاون على البر والتقوى كمثل التعاون في تزويج العزاب, التعاون في العلم , والتعاون لتفريج كربات المهمومين وسد حاجات المعوزين .  والثاني: التعاون على الإثم والعدوان, فهذا الذي حرمه الله ورسوله ،كالإعانة على الباطل , وكالإعانة على معصية ، أو أخذ مال بغير حق ، أو ظلم احد ، ونحو ذلك .
قال تعالى: "وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ". وقال السعدي في تفسيره : "والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي: يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه" , وقال  ابن باز: (فهذه السورة العظيمة القصيرة اشتملت على معان عظيمة من جملتها التواصي بالحق وهو التعاون على البر والتقوى) , وقال سبحانه: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة: 2] , قال ابن كثير في تفسيره "يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو البر، وترك المنكرات وهو التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل والتعاون على المآثم والمحارم" . وقال القرطبي: وهو أمرٌ لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى، أي ليعن بعضكم بعضًا، وتحاثوا على ما أمر الله تعالى واعملوا به، وانتهوا عما نهى الله عنه وامتنعوا منه".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» ثُمَّ شَبكَ بَين أَصَابِعه. مُتَّفق عَلَيْهِ, وقال ابن بطال في شرح الحديث  : "تعاون المؤمنين بعضهم بعضًا في أمور الدنيا والآخرة مندوب إليه بهذا الحديث". وقال ابن حجر: "المعاونة في أمور الآخرة، وكذا في الأمور المباحة من الدنيا مندوب إليها".
ومن فوائد التعاون: نيل محبة الله ورضاه, وثمرة من ثمرات الأخوة الإسلامية, وتقاسم الحمل وتخفيف العبء, ويجعل الفرد يشعر بالسعادة, ويزيل الضغائن والحقد والحسد من القلوب, ويسرع من عجلة التطور العلمي والتقدم التكنولوجي, ويكسبك حب الخير للآخرين ,العمل بأكثر من عقل, ويسهل العمل وييسره, ويحقق أكبر الاستثمارات, ويولد سلامة الصدر وحب الآخرين, واستغلال الملكات والطاقات المهدرة الاستغلال المناسب لما فيه مصلحة الفرد والمجتمع, القضاء على الأنانية وحب الذات , والفوائد كثيرة لا تحصى .
فالعالم يعين بعلمه، والغني بماله، والكل يعين بما يقدر عليه ، وأن يكون المسلمون  كاليد الواحدة، فإن التعاون قوة , قال صلى الله عليه وسلم: "فإن يد الله مع الجماعة وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض" .رواه ابن حبان وصححه الالباني.