الأحد، 30 سبتمبر 2012

لا اعلم

لا أعلم
رحم الله رجلا عرف قدر نفسه ، فلا أعلم كلمة لا يقولها إلا من عرف قدر نفسه وذو عقل وعلى بصيرة ، ومن قالها فاز فوزا عظيما ، فنحن في زمن العلماء الوهميين ، فلا تكاد تجد أحدا يقول لا أعلم إلا من رحم ربي ,يتكلمون بما لا يعلمون، عالما بالفلك وعالما بالدين وعالما بالطب وعالما بالصناعة لا يعجزه سؤال ،ولكل سؤال له جواب ,فأصبحنا في زمن العلماء ,فلو سألته عن المريخ لأجابك بكل راحة وسكينة وكانه من سكان المريخ ,حتى وصل الأمر إلى التجرأ القول على الله بغير علم , ومن تكلم في الدين وليس له فيه علم افترى على الله كذبا وتجرأ على الله ودينه وربما أضل السائل .والمفتي بغير علم يقول على الله ما لا يعلم ، وقد قرن الله تعالى تحريم ذلك بتحريم الإشراك به ، مما يدل على عظم ذنب من قال على الله ما لا يعلم .فقال ابن القيم رحمه الله :" وقد حرم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء ، وجعله من أعظم المحرمات ، بل جعله في المرتبة العليا منها فقال تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) الأعراف/33
فسيد البشر صلى الله عليه وسلم إمام المسلمين وسيد العالمين كان إذا سئل عن الشيء فلا يجيب حتى يأتيه الوحي من السماء كما في السؤال عن الكلالة (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ) [سورة النساء: 176] وقال سبحانه: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ) [سورة المائدة: 127.
والامثلة كثيرة ، وسئل الشعبي عن مسألة فقال: لا علم لي بها، فقيل له: لا تستحي، فقال: ولم أستحي مما لم تستح الملائكة منه حين قالت لا علم لنا،((قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ( 32 ) البقرة

ومن تخرج من مدرسة النبوة قالوا: فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منهم من أحد يحدث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه إياه ، ولا يستفتى عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه الفتوى .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال من عِلم الرجل أن يقول لما لا يعلم " الله أعلم ", وعنه رضي الله عنه ، لا يستحي من لا يعلم أن يتعلم ، ولا يستحي من تعلم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول الله أعلم .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : العلم ثلاثة كتاب ناطق ، وسنة ماضية ، ولا أدري ,
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتونه فهو مجنون , وقال ايضا : من كان عنده علم فليقل به ، ومن لم يكن عنده علم فليقل : الله أعلم ، فإن الله قال لنبيه : ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفين)
وادعوك أن تخاطب نفسك حين تقرأ علماء الأمة وهم يقولون لا أعلم فمن أنت حتى تقول أعلم فيما لا تعلم ؟ فالإمام مالك حين سئل (رحمه الله) إمام دار الهجرة عن أربعين مسألة جاء بها رجل قادم عليه مسافر إليه يسأله عنها فأجاب عن ست مسائل وقال عن البقية لا أدري،فقال الرجل : مالك قال لا أدري جئتك من كذا وكذا وتقول لا أدري فقال مالك :نعم اركب راحلتك وارجع وقل للناس سألت مالكًا وقال لا أدري.
ولك من جهابذة العلم مواعظ ، فقال أحمد ابن حنبل ليس كل شيء ينبغي أن يتكلم فيه, وقال الشعبي لا أدري نصف العلم ,
وقال سفيان الثوري لقد كان الرجل يستفتى فيفتي وهو يرعد ,وقال ايضا من فتنة الرجل إذا كان فقيها أن يكون الكلام أحب إليه من السكوت , وصح عن مالك أنه قال : ذل وإهانة للعلم أن تجيب كل من سألك وقال أيضا كل من أخبر الناس بكل ما يسمع فهو مجنون.
وقال الشيخ ابن باز: في بعض المسائل التي لو طرحت على بعض صغار الطلبة لأجاب عنها وفصل فيها قبل أن ينتهي السائل من سؤاله وهي حيرت الفقهاء !
. ومن المشاهد أنَّ كثيراً من العوام قد يطرح بعض الأسئلة الشرعية على رجل ، والرجل لا يفقه شيء من الدين ، فيتحرج من عدم الجواب؛ فيفتي بغير علم , وإن الذي يفتي الناس بغير علم يتقلد أمرا عظيما ويقدم على أمر خطير ، فينبغي لمن أفتى أن يكون عالما بفتواه وإلا فلا يفتي ويقول لا أعلم ، وإلا يؤثم على فتواه المضلة ، واستمع لقول الله تعالى ( ولا تقف ما ليس لك به علم) ، وعلى المسلم السائل أن يتحرز غاية التحرز في أسئلته فلا يسأل إلا العالم ، وأن يقف مع الفتوى الصادرة من العالم التقي ويعمل بها وتبرأ ذمته بذلك لأنه فعل ما يستطيع، وعمل بقوله تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) وقوله: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ): أي أهل العلم دل على أنه لا يُسأل غير أهل العلم، ودل قوله (إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ): دل على أنه الذي عنده علم لا يسأل يعمل بعلمه لا يسأل ، وإنما الذي يسأل هو الذي ليس عنده علم .وتذكر أن المريض لا يذهب للنجار بل للطبيب.

كتبه العبد الفقير لربه سمير ابو تيلخ-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق