الخميس، 17 مايو 2012

حكم الانتحار


الأدلة على تحريم الانتحار، وأنه من كبائر الذنوب
عقوبة المنتحر وجزاؤه في الدني والآخرة


من الظواهر الغريبة المريبة التي تسربت لبعض المسلمين، وتشبهوا فيها بالكافرين والملحدين، الانتحار تعبيراً عن الغضب والاعتراض على أمر ما، كهلاك لاعب كرة أو فنان، أو فساد حكَّام ....... إلخ.
ومعلوم من دين الله ضرورة أن نفس الإنسان – وجميع الخلائق- وسائر أعضائه، ملك لله عز وجل، فلا يحل له التصرف فيها إلاَّ فيما وافق الشرع.
ومعلوم كذلك أن الانتحار، لأي سبب من الأسباب، وهو قتل النفس بطريق سلبي، نحو الامتناع عن الاكل والشرب إلى أن تزهق الروح، أو بطريق إيجابي كإحراقها بالنار، أو تحسيه لسم أو عقار قاتل، أو ضربها بآلة حادة، ونحو ذلك حرام، ومن كبائر الذنوب بعد الإشراك بالله، ولا يستثنى من ذلك إلاَّ حالتان:
الأولى: إلقاء المقاتل المسلم نفسه في صف العدو مهما بلغوا إن كان قصده أن تكون كلمة الله هي العليا، وغلب على ظنه أن ذلك سينكي بالعدو نكاية عظمى، ويكون فيه نفع كبير وأثر عظيم على من بعده من المسلمين.
ولا يعتبر ذلك إلقاء للنفس إلى التهلكة المنهي عنه في قوله تعالى كما يتوهم البعض: "وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ"، (سورة البقرة:195)؛ لأنَّ المراد بالتهلكة عند العامة، هي ترك الجهاد والركون إلى الدنيا، وقد أثر ذلك عن أبي أيوب الأنصاري وغيره.
قال الإمام ابن العربي المالكي رحمه الله عن جواز اقتحام صف العدو للواحد: (والصحيح عندي جوازه؛ لأن فيه أربعة أوجه:
الأول: طلب الشهادة.
الثاني: وجود النكاية.
الثالث: تجرئة المسلمين عليهم.
الرابع: ضعف نفوس الأعداء ليروا أن هذا صنع واحد منهم، فما ظنك بالجميع)، (أحكام القرآن- لابن العربي جـ1/116).
وقال ابن عابدين الحنفي في حاشيته جـ3/222: (إن علم انه إذا حارب قتل، وإذا لم يحارب أسر، لم يلزمه القتال –أي الإلقاء-، لكنه إذا قاتل حتى قتل جاز بشرط أن ينكي فيهم.
أما إذا علم أنه لا ينكي فيهم، فإنه لا يحل له أن يحمل عليهم، لأنه لا يحصل شيء من إعزاز الدين).
وقال محمد بن الحسن الشيباني، تلميذ أبي حنيفة رحمهما الله: (لو حمل رجل واحد على ألف رجل من المشركين، وهو وحده لم يكن بذلك بأس، إذا كان يطمع في نجاة، أو نكاية في العدو)، (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ2/364).
الثانية: إن كان المرء مطارداً بعدو يحمل سلاحاً يريد قتله، فهرب، فطلبه حتى مات لأنه مكره.
بل من اضطر إلى أكل الميتة، أو إزالة الغُصَّة بخمر ونحوه فلم يفعل حتى مات، كان كمن قتل نفسه، لقوله تعالى: "إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ"، (سورة الأنعام: 119).
هذا بخلاف ترك العلاج والتداوي؛ لأنه ليس واجباً، لحديث الجارية التي كانت تصرع وتتكشف، فسألت الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها، فخيَّرها بأن تصبر ولها الجنة، أو أن يدعو لها فيشفيها الله، فاختارت الصبر والجنة.
هذا بجانب أن تعاطي الدواء ليس يقيناً مزيل للمرض، كتناول المضطر لأكله، وشربه محرماً لإزالة الغصة، فإنهما يقيناً يزيلان الجوع والعطش المؤديان إلى الهلاك، ولهذا آثر بعض خيار الصحابة الصبر والاحتساب على المرض من تناول الدواء وتعاطيه، منهم أبو بكر وابن مسعود رضي الله عنهما وغيرهما.
إذا خاف المسلم الأسر وعنده أسرار خطيرة للمسلمين، وخشي أن لا يصبر على أذاهم، وتيقن أنه إذا أسر سيضطلع العدو على هذه الأسرار، ويحدث منها ضرر عظيم، هل له أنْ يقتل نفسه؟!.
الله أعلم بالصواب، ولكن يمكن الاستئناس باجماع الفقهاء على جواز قتل المسلمين، إذا تترس بهم الأعداء، وتيقنوا بقتلهم، وخشوا من أولئك الكفار إذا ظفروا بالمسلمين، عظمت نكايتهم بهم، سيما إذا كانت الحرب دائرة.
هذا بجانب القاعدة الفقهية: (يتحمل الضرر الحاصل لدفع الضرر العام).
الأدلة على تحريم الانتحار، وأنه من كبائر الذنوب
من القرآن:




1. قوله تعالى: "وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا"، (سورة النساء: 29).
2. وقوله: "وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ"، (سورة الانعام: 151).
من السنة:
1. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تردى من جبل، فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً أبداً، ومن تحسى سماً، فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديده في يده يجأ بها بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً أبداً"، (صحيح البخاري رقم [5778]).
2. عن جندب رضي الله عنه، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان برجل جراح فَقَتَل نفسه، فقال الله: بدرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة"، (البخاري رقم [1364]).
3. وعن جابر بن سَمُرة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم، اُتيَ برجل قتل نفسه بمشقاص، فلم يصل عليه"، (صحيح مسلم). وفي رواية للنسائي: "أمَّا أنا فلا أصلي عليه".
عقوبة المنتحر وجزاؤه في الدنيا والآخرة

المنتحر أعظم وزراً من قاتل غيره فهو فاسق، وباغٍ على نفسه، ومن أهل العلم من قال: لا يغسل ولا يصلى عليه، ولا تقبل له توبة، وجمهور أهل العلم على خلاف ذلك، والراجح أنه يغسل ويصلي عليه نفر من المسلمين، وأنه لا يخلد في النار إنْ كان من الموحدين، لكن:
1. يعتزل الصلاة عليه أهل الفضل والصلاح.
2. أنه فاسق باغٍ.
هذا حكمه في الدنيا.
أمَّا في الآخرة: فقد توعده الله بعذابه العذاب الأليم، أما الخلود في النار فهو من نصيب الكافرين، والمشركين، والمنافقين، ولن يخلد في النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، وذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، ولكن اكثر الناس لا يشكرون.
فالحذر الحذر أيها المسلمون من التشبه بالكفار المؤدي إلى غضب الجبار، وتذكروا قول الناصح الأمين: "ومن تشبه بقوم فهو منهم".
واعلموا أنَّ الغاية لا تبرر الوسيلة، ولهذا فإنه لا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم على أمر مهما كان جليلاً أم حقيراً حتى يعلم حكم الله فيه.
واحذروا التبعية والتقليد، واعلموا أنه لا أسوة في الشر، وإنما الأسوة والاقتداء في الخير، ورضي الله عن ابن مسعود القائل: (لا يكن أحدكم إمعة، يقول إن احسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تتجنبوا إساءتهم، فإنه لا أسوة في الشر)، أو كما قال.
أمَّا أنْ يتلقف ذلك البعض تقليداً لما حدث في تونس، كما يجري الآن في الجزائر، ومصر، وموريتانيا، فهذا أمر يدعو إلى الأسى والحزن.
المعصوم من اعتصم بالكتاب والسنة، وما كان عليه سلف هذه الأمة، والمخذول من ترك الجادة، وأخذ ببنيات الطريق.
قال صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي يدخلون الجنة إلاَّ من أبى"، قيل: ومن يأبى؟، قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى"، (البخاري).
ما من شيء يقربنا إلى ربنا والجنة إلاَّ وقد دلنا عليه رسولنا، وما من شيء يباعد بيننا وبين ربنا والنار إلاَّ وقد حذَّر منه رسولنا صلى الله عليه وسلم.
فوسائل الرفض والتعبير عن الغضب بيَّنها لنا الشارع الحكيم، من ذلك الصدع بالحق في وجوه الطغاة والظلمة، وعدم طاعتهم في معصية الله، وقد عدَّ ذلك من أعظم أوجه الجهاد: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"، (صحيح سنن أبي داود للألباني رقم [4344]).
فالاضراب عن الطعام، والانتحار، والحرق، والتخريب، والنهب للأموال والحقوق العامة والخاصة، ليس من شرعنا، ولا من سنة نبينا صلى الله عليه وسلم القائل: "ومن رغب عن سنتي فليس مني".
الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وشرفنا بالانتساب إلى ملة خير الأنام، صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه، والتابعين لهم بإحسان.

كتبه


الأمين الحاج محمد


رئيس الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان



نسأل الله حسن الخاتمة وان لاتخرج أرواحنا من أجسادنا الا وهو راض عنا .اللهم امين.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق